الأحد، 23 نوفمبر 2014

مضادات الإكتئاب إستغاثة ليست بمحلها

تشن مضادات الإكتئاب حرباً على القناة الهضمية ..
تشهد معدلات الاكتئاب تزايداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة حول أرجاء العالم كافة. فأشارت إحصائيات المنظمات الصحية العالمية إلى أنّ عدد المصابين بهذا الاضطراب النفسي الحاد تجاوز ما عدده 500 مليون في العالم أجمع. هذا وأعرب الدكتور عبد الحميد الحبيب، استشاري الطب النفسي ومدير عام الصحة النفسية والاجتماعية في وزارة الصحة السعودية، عن قلقه إزاء ارتفاع نسبة المصابين بالاكتئاب في المملكة إلى حوالي 15% من إجمالي الشعب السعودي.
وأشارت الإحصائيات البريطانية إلى أنّ ما يزيد عن 43 مليون وصفة طبية لمضادات الاكتئاب صُرفت العام الماضي وحده؛ أي ما يزيد عن النسبة التي كانت عليها قبل ثلاث سنوات بحوالي 25%.
ولكن يكمن السؤال الهام فيما إذا كانت مضادات الاكتئاب تلك هو مصدر الإغاثة الصحيح.
تمّ الترحيب بالأدوية مثل بروزاك في أوائل التسعينات باعتبارها الحبوب السحرية التي تقضي على حالة الاكتئاب تماماً. ولكن أشارت البحوث العلمية التي أجريت على مدار الخمس سنوات السابقة إلى أنّ هذه الأدوية لا تجدي نفعاً سوى مع أقلية.
ولا يقف الأمر عند ذاك الحد، فنُشر مؤخّراً بحث في إحدى المجلات المرموقة يدّعي أنّ مضادات الأكسدة تزيد اكتئاب الأفراد سوءاً. يستند هذا الادّعاء على المركب الكيميائي المستهدف من قبل مضادات الأكسدة والذي هو "السيروتونين". تعرف الأدوية من أمثال البروزاك بمثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية وتهدف هذه المثبطات إلى تعزيز مستوى المركب الكيميائي المرتبط بالحالة المزاجية الجيّدة في الدماغ.
ولكن أشار البحث الجديد الذي نشر في مجلة "الحدود في علم النفس التطوري" إلى أنّ السيروتونين يشبه إلى حد بعيد السكينة السويسرية؛ إذ أنّ كليهما يؤدّيان عدة وظائف في الوقت ذاته. فينجم عن تعديل مستوى السيروتونين في الجسم عدة آثار جانبية غير مرغوب بها. وتشمل تلك الآثار كل من مشاكل الجهاز الهضمي والصعوبات الجنسية والسكتات الدماغية والوفيات المبكّرة وفقاً لما أشار إليه المشرف على الدراسة، باول أندروز الأستاذ المساعد في علم النفس التطوري في في جامعة ماكماستر في أونتاريو في كندا.
ويذكر أندروز، إلى أنّه يجدر بنا أن نكون واعين أكثر وحذرين نظراً إلى الإقبال المتزايد على الأدوية المضادة للاكتئاب.
اقترحت البحوث السابقة أنّ مضادات الاكتئاب تعود بقدر ضئيل من النفع على الأفراد المصابين بالاكتئاب بدرجاته البسيطة والمعتدلة إلّا أنّه بالكاد يساعد قلّة من المصابين بالاكتئاب الحاد.


وجد عالم النفس "إيرفينغ كيرش" أنّ مفعول مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية لا يختلف عن أي حبة دواء وهمية بالنسبة لفئة كبيرة من المرضى. ذكرت مجلة الجمعية الطبية الكندية قبل عامين أنّ النساء الحوامل تعرّضن أنفسهن لخطر الإجهاض بشكل مضاعف عند تعاطي مضادات الاكتئاب.

ووجد بحث أجري عام 2009 على الأطفال الدنماركيين أّنّ خطر إصابة الأجنة بقصور عضلة القلب يزداد في حال كانت الأم تتعاطى مضادات الاكتئاب خلال فترة حملها. ويوجد عدة أدلة تشير إلى أنّ نزيف القناة الهضمية والجلطات الدماغية من الآثار الجانبية المترتبة على تعاطي مضادات الأكسدة على المدى البعيد.
يشير أندروز إلى أنّ مفتاح فهم هذه الآثار الجانبية يتمثّل بالسيروتونين. فيعد هذا المركب الكيميائي من الأسباب الكامنة وراء استمرار حالة الاكتئاب مع الأفراد بعد انهائهم لدورة العلاج كاملة. فيزعم أنّ مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية تتداخل مع وظائف الدماغ مما يجعل المريض معرّضاً إلى اكتئاب أشد من ذي قبل. ويفسّر ذلك بأنّ الدماغ وبعد الاستخدام المطوّل لتلك المثبّطات يعتاد على إنتاج كميات مخفّضة من السيروتونين ويغيّر بالإضافة إلى ذلك الطريقة التي تستجيب بها المستقبلات في الدماغ إلى السيروتونين مما يجعل الدماغ بدوره أقل حساسية لهذا المركب الكيميائي.
يعتقد الغالبية أنّ هذه التغييرات مؤقّتة إلى أنّ عدة دراسات تؤكّد على أنّ مفعولها يدوم لعامين كاملين. لا يعزى الانتكاس حصراً  إلى مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية وإنّما إلى مختلف الأدوية المضادة للاكتئاب إلّا أنّ أندروز يعتقد أنّ الخطر الأكبر مرتبط مع هذه المثبّطات.
كما ويحذّر من إمكانية تداخل مضادات الاكتئاب مع العمليات الجسدية التي غالباً ما يتم تنظيمها من قبل السيروتونين مع العلم بأنّ الدراسات التي أجريت على الحيوانات تشير إلى أنّ 5% فقط من السيروتونين الموجود في الجسم يقيم في الدماغ. هذا وتقع الغالبية العظمى في القناة الهضمية.
فيتحكّم ذاك المركّب الكيميائي بعمليات الهضم وإعادة الإنتاج والنمو والبناء ويُشكّل التخثّرات الدموية. وعليه، قد يسبب الدواء الذي يتداخل مع السيروتونين مشاكل في النمو لدى الأجنّة ومشاكل في التحفيز الجنسي ونمو الحيوانات المنوية لدى البالغين ومشاكل هضمية عديدة منها الإسهال والإمساك وعسر الهضم والانتفاخ ونزيف غير مبرّر وسكتة دماغية عند الكبار في العمر. كما وتزيد مضادات الاكتئاب من خطر الإصابة بالخرف.
كما وتوصّل أندروز إلى نتائج مرعبة تشير إلى أنّ خطر الوفاة المبكّر يكون أكبر بالنسبة لكبار العمر الذين يتعاطون مضادات الاكتئاب وإن تمّ أخذ عدة متغيّرات بعين الاعتبار.
فوجدت إحدى الدراسات التي نشرت في المجلة الطبية البريطانية العام الماضي أنّ خطر وفاة الأشخاص الذي يتعاطون مثبّطات امتصاص السيروتونين الانتقائية يزيد بما نسبته 4% في غضون عام مقارنة مع أولئك الذين لا يتعاطونها.
يذكر أستاذ الطب ستافورد لايتمان من جامعة بريستول والخبير البريطاني الرائد في مجال المركبات الكيميائية والهرمونات أنّ أندروز يسلّط الضوء على بعض المشاكل التي تستدعي الاهتمام والانتباه ويشير إلى أنّ هذا التقرير يلبي غرضاً مغايراً للإعلانات والتقارير التي تقوم بها الشركات المصنّعة والمنتجة لمضادات الاكتئاب.
بينما تحاول الشركات المصنّعة لفت الانتباه على النتائج الإيجابية للأبحاث والدراسات وتنتقي المعلومات التي ترغب بترسيخها  في ذهن الأفراد بغرض تحقيق أرباح أكبر، ينتقي هذا التقرير السلبيات.


ويشير لايتمان إلى أنّ هنالك الكثير من الخبايا التي لا زلنا نجهلها فيما يتعلق بمثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية. وينوّه إلى أنّ الوضع يدعو إلى الحرج؛ إذ اجتاحت هذه المثبّطات الأسواق قبل أن يتم الإلمام بمختلف الجوانب المتعلقة بها وذلك لمجرّد فعاليتها التي أظهرتها بعض التجارب البسيطة.
ولكن يدّعي العلماء الأمريكيين أنّهم توصّلوا إلى السبب الذي جعل من تلك المثبّطات العلاج الأنسب لأقليّة من المرضى. فيعتقدون أنّ نقص السيروتونين ليس المسؤول عن مختلف حالات الاكتئاب وإنّما يقع اللوم أحياناً على تلف جزء الدماغ المسؤول عن إنتاج خلايا جديدة على مدار دورة الحياة.
يعرف ذاك الجزء بالحصين وهو المسؤول بشكل خاص عن الذاكرة والحالة المزاجية. يقترح البحث أنّ هذه المثبّطات لا تعود بالفائدة على الأشخاص الذين يكون الحصين لديهم فاقد لقدرة إنتاج خلايا جديدة. ولكن لا يزال هنالك تساؤولات تحتاج إلى إجابة ومن بينها السبب الكامن وراء خسارة الحصين لقدراته! والطريقة المثلى لعلاج مثل هذه الحالات!
هذا ويكون هنالك إحتمالية بأن لا تساعد الإجابات على هذه التساؤلات العلماء على الخروج بالعلاج المناسب لمختلف حالات الاكتئاب بسبب تعدد الأسباب الكامنة وراء حالات الاضطراب المزاجي هذا.
تذكي هذه الدراسات والأبحاث وعينا بمخاطر إحدى الأدوية التي أصبحت رائجة بحيث أصبح البعض يتناولها كما لو كانت قطع من حلوى صغيرة. يجدر بنا التنبّه إلى مدى خطورة الوضع والإستفسار من الأطباء عن مختلف الآثار الجانبية المحتمل ترتبها ولاسيّما مع الحالات المنفردة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق