الجمعة، 28 نوفمبر 2014

محلات البيع بالتجزئة .. عالم من الخيال أم بوابة للإستغلال ؟

التسويق العصبي وقدرته في السيطرة على عقول المستهلكين ..
كم نعرف عن الأسباب التي تدفعنا للشراء وما الذي يؤثر حقاً في قراراتنا في عالم يزدحم اليوم بالرسائل والإشارات والرموز؟ أهو إعلان لافت للنظر أم شعار ذكي أم أغنية ذات لحن مميز؟ أم ترانا نتخذ قراراتنا الشرائية تحت مستوى الوعي، في مكان مايكمن في أعماق عقولنا اللاواعية بحيث إننا بالكاد ندركها؟ فالشركات والمحلات التجارية تتنافس للنجاح في طرح وتسويق منتجاتها وجذب المستثمرين، والتأثير في دوافعهم للشراء لكسب ولائهم وعقولهم وأموالهم وأحدث الطرق كانت استخدام علم الأعصاب في التسويق والدعاية والإعلان.
يقول خبير التسويق العالمي مارتن ليندستورم - مستشار لأكثر من 100 شركة ومؤسسة شهيرة، ومؤلف لخمسة كتب من أكثر الكتب مبيعا ومترجمة إلى 30 لغة، وصنفته مجلة «التايم» عام 2009 ضمن أكثر 100 شخصية عالمية مؤثرة - في كتابه «علم الشراء: حقائق وأكاذيب عن لماذا نشتري»، الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، والذي قدم فيه نتائج مذهلة لدراسة رائدة عن تأثير علم الأعصاب في مجال التسويق والتأثير الباطني للإعلان، استغرقت ثلاث سنوات وتكلفت سبعة ملايين دولار، وتعد هذه الدراسة الأكبر من نوعها في العالم في مجال التسويق باستخدام علم الأعصاب، فقد تم التعرف فيها على ما يحدث داخل أدمغة 2000 متطوع من أنحاء العالم، شاهدوا دعايات وإعلانات وشعارات وعلامات تجارية متنوعة. والنتائج المذهلة للدراسة تلغي الكثير مما اعتاد الأفراد التسليم به عما يجذب انتباههم ويدفعهم إلى الشراء.
 في دراسة تأثير تلك المحلات قمنا بقضاء يوم مع ليندستروم في أحد محلات غسل الدماغ "البيع بالتجزئة" ، شهدنا فيه كيف يستغلنا بائعو تلك المحال و يحصلون على نقودنا .
و إليكم بعضاً من تلك الأساليب المضللة التي يتبعها اولئك البائعون و كيف تواجهونها:
1. يجعلك تشعر وكأنك في منزلك ..
بدأنا طريقنا في واحد من أشهر المتاجر في مانهاتين ستالوارت ، أنشأ  منذ 140 عام ، ويدعى بلومينغ ديلز . وفي لحظات أسرعنا إلى ذلك المتجر لنرى ما فيه . يقول لنا ليندستروم : لا يفضل أصحاب المتجر رؤية الناس محتشدين عند البوابة دون الإسراع بالدخول ، فبلاط المحل الفاخر يشجع الناس للإسراع إليه ".
صمم طابق المبيعات ببراعة ليسيطر على تصرفاتك وردود أفعالك ولإشغالك قدر الإمكان . فبمجرد أن تدفع نفسك نحو ذلك المتجر ستأخذك رائحة المحل والمنظر والإنارات إلى مكان أبعد من ذلك ، تجعلك تشعر بالارتياح وكأنك في منزلك . في دراسة نشرت عام 2011 في مجلة الأبحاث التسويقية ، كان الأشخاص الذين شعروا بالاسترخاء داخل المتجر قادرين على إنفاق 11 بالمئة من نقودهم وفقاً لما ظهر في كاميرات المراقبة .
الروائح العطرة في ذلك المتجرالذي يشتمل على ست مطاعم كانت مؤثرة للغاية ..  أظهرت دراسة أسترالية عام 2011 بأنه رائحة العطور المسرة قد تزيد من سعادة المتسوق ، ما يجعل الأشخاص ينفقون أكثر في تلك المتاجر . فخدعة الرائحة الزكية تعمل بشكل جيد وبخاصة عندما تمتزج مع الخلفية الموسيقية المناسبة ، حيث تصمم تلك الخلفيات لتتناسب مع ذوق المتسوقين . وكما يقدر ليندستروم فإن كل تلك الحيل تيقظ حواسك ومحفظتك بنسبة 35 بالمئة . ويضيف قائلا : ترى نفسك فجأة تلمس المنتجات وتنظر وتصغي للبائع وهذا ما يكسر ميزانيتك ويجعلك تشتري المزيد .
ولكي تحمي نفسك ، راجع حساباتك
قبل أن تتوجه إلى المتاجر للتسوق ، إحسب رصيدك . تقترح الدراسات بأن المستهلكين الذين يستخدمون بطاقات الإئتمان للتسوق يميلون لإنفاق المزيد أكثر من أولئك الذين يتسوقون بالنقود . وأوجدت دراسة جديدة من جامعة كانساس أن المتسوقين الذين يمتلكون بطاقات ائتمان يركزون على فوائد المنتجات ولا يهتمون للثمن . وبالنظر إلى حساباتك الماضية في الشراء ستعيد التركيز على مبالغ السلع الباهظة.  ويقول معد الدراسة بروموثيش تشاتيرجي فكر أيضا في مقدار ما وضعت في رصيد بطاقتك الإئتمانية في ذلك الشهر حيث أن حفظ ما أنفقته مؤخرا في ذهنك بينما أنت تجوب المتجر سيساعدك ، ويعد كأفضل الطرق لحماية نفسك.
2. يجعلك تشعر برجولتك ..
المحطة التالية التي توقفنا عندها كان متجر جي كرو للألبسة الرجالية على الطريق السريع . وهو محل مليء بالأخشاب والجلد مع الكتب وآلات الطباعة وساعات رولكس المنثورة بين رفوف الملابس . كان هدفنا الاطمئنان من أننا نرتدي كما يرتدي المشاهير . في غرفة الغيار كان كل باب ممتد الى السقف ، وهذا يعرب عن القوة . يقول ليندستروم : نحن نعلم أنه إذا كانت غرفة الغيار بهذا الطول ، سيشتري الرجال المزيد من الثياب بمقدار 8 بالمئة مما يملكون.
ومن ثم رأينا صناديق متناثرة على الجدار ، وهذا تصميم دارج في محلات الألبسة الرجالية . ومن ثم التأمل في الرفوف ، حيث وضعت القمصان والملابس في مكعبات خشبية كتلك التي كنا نلعب بها أيام الدراسة . يقول ليندستروم : كل ما زادت الريبة لدينا قلت تلك الأمور التي ننجزها في حياتنا اليومية ، أصبحنا كتلك الملابس في الصناديق الخشبية . يدعم أحد الأبحاث من جامعة بينسلفانيا ما يقوله ليندستروم بأن الأشخاص الذين يشعرون بعدم قدرتهم على السيطرة بما يحيط بهم كانوا أكثر إنجذابا  للصور والعلامات التجارية المعروضة على الطرق .
ويعلم تجار البيع بالتجزئة أننا نرغب في الإستقلالية ، وأننا لا نحبذ أن يوجهنا الآخرون فيما علينا فعله . ولذلك يقوم متجر جي كرو بتصميم متاجرة مع إشارات مقصودة في الألبسة .
يقول ليندستروم :إلا أن هذا الأمر يجعل الشباب يشعرون بقليل من التمرد . كل ما يحيط بنا من عيوب ومتاجر الألبسة تلك واللافتات والأضواء النحاسية . كل هذا للعرض ، وتشعر في كل لحظة بشيء وعر وممزق ومتناسق تحت أقدامك. 
وسيلتك لتحصين نفسك : إصبح صيادا
قبل أن تنظر إلى الألبسة على الرفوف ، خذ دقائق قليلة لتكتشف حيل البيع بالتجزئة قدر الإمكان . تقول الطبيبة النفسية من جامعة ستانفورد كيلي ماك غونيغال ومؤلفة " قوة الغريزة" : من الصعب أن تخدع عندما تقوم بتفحص إحدى تلك القطع" ، قد يبدو الأمر بسيطاً لكن العديد من الأشخاص يقرون بنجاحهم عندما يبدون كالمحققين في البحث عن الحيل . ولكن ما زلنا لا نفهم ما يحرك مشاعرنا لنظن أن سترة أو قبعة ستحسن من فرص نجاحك مع السيدات . تقول ماك غونيال : تعلمون أن هذا سخيف ، ولكن كل ما عليك فعله هو تحريك ما يقوم به عقلك في اللاوعي.
3. الإستدراج ..
ذهبنا إلى متاجر بيلابونج في منطقة سوهو في بريطانيا . حيث لا يبدو أن جانب الشاطئ يلائم أرضية المدينة الإسمنتية وسبائك الحديد . دخلنا إلى المتجر ورحب بنا احد الموظفين والذي كان يرتدي شعار المتجر على عنقه . تواجه العلامات التجارية صعوبة في إيجاد بيئة شاملة ، حيث يجعلونك تشعر وكأنك عضو في نادي خاص . إبتداءاً من الأرضية الخشبية إلى رفوف الجدران المحاكية للطبيعة ، فهذا المكان يقول لك أنك مختلف عن الأشخاص الموجودين خارج المتجر. يقول ليندستروم : من المفروض أن أبرر ما أنفقه بحوالي 25 إلى 50 بالمئة على الألبسة المصنوعة
في الصين .
ومن ثم توجهنا إلى محل أر إي آي وهو محل لبيع المعدات الترفيهية في الولايات المتحدة ، حيث رشقت جدرانها بألواح التزلج بالثلج . يأتي الناس إلى هذا المحل لشراء ألواح التزلج . إلا أن السبب الرئيسي لبعثرة ألواح التزلج هو بيع أكبر قدر منها . وهذا ليذكرنا بما ترتكز عليه سلسلة أر إي آي . يستمر استدارجك لتسير على السلالم حتى ترى مجموعة هائلة من الصور تحت إشارة " موظفون في العمل " .
حصن نفسك بطلب إظهار بطاقة العضوية
ينبع الشراء العشوائي عادةً من حاجاتك للترفيه عن نفسك، كما يقول رجل الأعمال الأمريكي سيث غودين ومؤلف كتاب "المسوقون كاذبون " . قد تستطيع التقليل من حاجاتك الشرائية عند الإشتراك بوسائل التواصل الإجتماعي مثل تويتر أو بينتريست أو الموقع الذي أنشأه غودين ويدعى سكويدو ، من خلال منحك مسرح لعرض الملابس من دون أي تكلفة .
4.  إغلاق الجانب المنطقي من عقلك ..
كانت آخر جولاتنا في محل فيكتوريا سيكريت حتى نتعلم فن بيع الملابس المغوية . تتخطى أدوات البيع في هذا المحل صور العارضات المغرية . فجميع الحيل المنتشرة في متاجر البيع متشابهة بدءاً من متاجر كي مارت لبيع الأدوات المنزلية إلى كينيث كول للألبسة، حيث يقومون بالتأكيد على أنه مع الإشارة إلى حقيقة أن الحياة السعيدة هي في طريقة الشراء، تستخدم الجوارير بدلا من الرفوف ،  فيقدمون طابعاً يشعرك بأنك في داخل حجرة نوم المرأة . حيث تملء الملابس الداخلية المعروضة بطريقة ماجنة جميع أنحاء الحائط .
والفكرة هنا هي تضييق دائرة المنطق . أجريت دراسة في جامعة جورج واشنطن للمسح الدماغي  حول إعلانات معينة تروج لبيع المنتجات بما فيها من حقائق وإكتشافات وإدعاءات ، حيث وجدت أن تلك الإعلانات تقوم بتحفيز الدماغ بما في ذلك اللوزة المخية والقشرة الأمامية المدارية . فتلك الإعلانات تجنبت لفت الأنظار إلى مميزات المنتج وبدلاً من ذلك ركزت على الصور الجنسية ومحفزات للعواطف التي تقلل من تفعيل مراكز التفكير العقلاني. يقول معد الدراسة كلاي وارين : عندما يتجنب المتسوق أجزاء الدماغ تلك فمن المحتمل أن يقوم بقرارات عشوائية في الشراء .
تنمو غرائز الرجل من صراعه مع الاكل والجنس ، ولكن في الوقت الحالي نحن نطبقها على عناصر أخرى مثل الألبسة وساعات اليد . والحل بسيط ، ضع مبلغاً معيناً ولنقل 30 دولار ، وضع لنفسك قاعدة تمنعك من شراء أي شيء أعلى من السعر الذي حددته ، ما لم تفكر في الشراء في غضون أربعة وعشرين ساعة . يقول إيان كوك وهو بروفيسور في علم النفس وباحث : إن أبعدت نفسك عن الشراء العشوائي ستكون قادراً على التفكير بالقرارت بعقلانية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق